Thursday, October 24, 2019

مسؤولية العلماء

إن الحمد لله الذي بين فضل العالم على غيره بقوله: ((لا يستوي الذين يعلمون و الذين لايعلمون)) و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك و أشهد أن سيدنا و مولانا محمدا عبده و رسوله الذي وضح مسؤلية العلماء؛ فقال:((العلماء ورثة الأنبياء)) و صلى الله عليه و على آله و صحبه و من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أما بعد!
فإن من أعظم أبواب استشعار المسؤولية: مسؤولية العلماء؛ فبصلاحهم يصلح كثير من ولاة الأمر وكثير من الخلق، ومن ثمّ حمّلهم الله أمانة التبليغ والوعظ والإرشاد وتقديم الأنموذج الأرقى، وحثهم على بذل النفس والنفيس في ذلك، وجعلهم وارث الأنبياء لهذا كله، وأخذ عليهم الميثاق كما أخذ على الأنبياء.
يقول تعالى: ((وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا تكتمونه)) و يقول أيضا: ((الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولايخشون أحدا إلا الله)) وجعلهم شهداء له على الحق، يقول الله تعالى: ((شهد الله أنه لاإله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسط لاإله إلا هو العزيز الحكيم))
ومن ثمّ بين صلى الله عليه وسلم خطورة فقد العلماء الصادقين العالمين العاملين؛ فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضی اللہ عنهما، قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ: ((إِنَّ اللَّهَ لاَ يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا، يَنْتَزِعُهُ مِنَ الْعِبَادِ، وَلَكِنْ يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ، حَتَّى إِذَا لَمْ يُبْقِ عَالِمًا، اتَّخَذَ النَّاسُ رُءُوسًا جُهَّالاً فَسُئِلُوا، فَأَفْتَوْا بِغَيْرِ عِلْمٍ، فَضَلُّوا وَأَضَلُّوا) (متفق عليه)
وأكد هذه المسؤولية في سياق أمر الأمة َأن تقوم بواجب الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، فعنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ عَنِ النَّبِىِّ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ: ((وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ أَوْ لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عِقَابًا مِنْهُ ثُمَّ تَدْعُونَهُ فَلاَ يُسْتَجَابُ لَكُمْ)) (سنن الترمذي)
و عنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْرِىِّ رضی اللہ عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم ۔ : ((أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِر)) (سنن الترمذي)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ رضی اللہ عنه، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم ۔ : ((إِنَّ أَوَّلَ مَا دَخَلَ النَّقْصُ عَلَى بَنِى إِسْرَائِيلَ كَانَ الرَّجُلُ يَلْقَى الرَّجُلَ فَيَقُولُ يَا هَذَا اتَّقِ اللَّهِ وَدَعْ مَا تَصْنَعُ؛ فَإِنَّهُ لاَ يَحِلُّ لَكَ ثُمَّ يَلْقَاهُ مِنَ الْغَدِ فَلاَ يَمْنَعُهُ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَقَعِيدَهُ؛ فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ)) ثُمَّ قَالَ: ((لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِى إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ)) إِلَى قَوْلِهِ تعالی: ((فَاسِقُونَ)) ثُمَّ قَالَ: ((كَلاَّ وَاللَّهِ لَتَأْمُرُنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلَتَنْهَوُنَّ عَنِ الْمُنْكَرِ وَلَتَأْخُذُنَّ عَلَى يَدَىِ الظَّالِمِ وَلَتَأْطُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا وَلَتَقْصُرُنَّهُ عَلَى الْحَقِّ قَصْرًا، أو ليضربن الله بقلوب بعضكم على بعض، ثم ليلعننكم كما لعنهم)) (سنن أبي داؤد)
وعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضی اللہ عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم- قَالَ:
((مَا مِنْ نَبِىٍّ بَعَثَهُ اللَّهُ فِى أُمَّةٍ قَبْلِى إِلاَّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمَّتِهِ حَوَارِيُّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنَّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِنَّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمْ خُلُوفٌ يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ؛ فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبَّةُ خَرْدَلٍ)) (صحيح مسلم)
إن کثیر الناس، وخاصة ممن ينسب للعلم، اكتفى بالعبادة والعمل الفردي، وتخلى عن مسؤوليته تجاه الأمة، أو ربما ضعف عن الحق أو ربما حرّف وبدّل وغيّر و سکت، وقد حذرنا الله من كل ذلك كما حدثنا عن بني إسرائيل: ((وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أومعذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون))
فانظروا إنه لم ينج إلا الذين قاموا بواجبهم، أما من سكت مع القدرۃ، كان كمن فعل المعصيىة، وقد استشعر علماؤنا عبر التاريخ هذه المسؤولية فحفظ لنا التاريخ نماذج رائعة في ذلك، كم نحتاج أن نتمثلها اليوم، ومن ذلك:
أن الشيخ العز بن عبد السلام رضي الله خرج إلى القلعة في يوم عيد فشاهد الجنود مصطفين بين يدي السلطان نجم الدين أيوب، وقد خرج على قومه في زينته، وأخذ الأمراء يقبلون الأرض؛ فناداه الشيخ بأعلى صوته: يا أيوب! ما حجتك عند الله إذا قال لك: ألم أبوىء لك ملك مصر ثم تبيع الخمور؟ فقال الملك: هل جرى هذا؟ فقال الشيخ: نعم، الحانة الفلانية تباع فيها الخمور، وغيرها من المنكرات تقترف، وأنت تتقلب في نعمة هذه المملكة؟ قال الملك: يا سيدي، هذا ما أنا عملته، هذا من زمان أبي! فقال الشيخ : أ أنت من الذين يقولون: ((إنا وجدنا أباءنا على أمة)) فأمر الملك بإغلاقها فوراً! فلما عاد الشيخ إلى مدرسته، قال له تلاميذه: لم فعلت ذلك، وكان يسعك نصحه بينك وبينه؟ فقال: يا بني! لقد رأيته في تلك العظمة فأردت أن أهينه لئلا تكبر عليه نفسه فتؤذيه، قال التلميذ: ياسيدي أما خفته؟ قال العز: لقد استحضرت هيبة الله تعالى إذ خاطبته فصار السلطان أمامي كالقط!
ومن ذلك: أن الشيخ العز بن عبدالسلام هذا، وقد كان من أشهر علماء عصره، وكان قاضي القضاة في عهد الملك الصالح سلطان دمشق، بلغه أن الملك الصالح اصطلح مع الإفرنج الصليبيين ليعينوه على أخيه سلطان مصر نجم الدين أيوب، وأعطاهم لقاء ذلك (صيدا) وغيرها من حصون المسلمين، ودخل الإفرنج دمشق لشراء السلاح فشق على الشيخ ابن عبدالسلام وأفتى الناس بتحريم مبايعتهم؛ لأنهم يقاتلون به المسلمين وكان يخطب يوم الجمعة في مسجد أمية، فكان من دعائه في الخطبة: (اللهم أبرم لهذه الأمة إبرام رشد، تعز فيه وليك، وتذل فيه عدوك، ويعمل فيه بطاعتك وينهى فيه عن معصيتك) والناس يبتهلون في الدعاء والتأمين، فغضب السلطان لذلك، فعزله من القضاء، واتجه الشيخ إلى مصر مهاجرا، وشق ذلك على أهل دمشق، حتى خشي السلطان ثورتهم بسببه، فأرسل إليه من يقول: (إن السلطان عفا عنك، وردك إلى عملك، على أن تنكسر له وتقبل يده) فما كان من الشيخ إلا أن قال لرسول السلطان: يا مسكين! والله ما أرضى أن يقبل –هو – يدي فكيف أقبل يده؟!! يا قوم! أنتم في واد وأنا في واد، الحمد لله الذي عافاني مما ابتلاكم به !!!
كأني بالعز بن عبد السلام يحدثنا عن قضايانا اليوم وعن مسؤولية العلماء فيها، و هذه النماذج من العلماء هي ما نحتاجه اليوم ولن تصلح الأمة إلا بوجودهم، ولن نعدم وجود أمثالهم في عصرنا لكن الذي يطفو على السطح أولئك الذين رضوا بالحياة الدنيا.
أخيرا لا آخرا أدعو الله سبحانه و تعالى أن يوفق العلماء و الفقهاء لهذه الأمة  بقيام أداء مسؤولياتهم أتم و أكمل الأداء، آمين بجاہ سید المرسلین صلی اللہ علیه وسلم، و ما علينا إلا البلاغ.


 أبوعاتکة أزهار أحمد الأمجدي المصباحي غفرله   
خریج كلية أصول الدين، قسم الحديث، جامعة الأزهر الشريف، مصر۔
خادم الإفتاء بمرکز تربیة الإفتاء، أوجھاگنج، بستی، یوپی، الھند۔
إی میل: fmfoundation92@gmail.com
رقم المحمول: 00918318177138

1 comment:

  1. آمین یا رب العالمین بحرمۃ جد الحسن والحسين

    ReplyDelete

Featured Post

  مبسملا و حامدا و مصلیا و مسلما             یار غار امیر المؤمنین حضرت ابوبکر صدیق اکبر رضی اللہ تعالی عنہ کی ذات محتاج تعارف نہیں، حضور ...

Popular Posts