Pages

Pages

Thursday, October 24, 2019

إطلالة على حياة فقيه الملة رحمه الله


إطلالة على حياة فقيه الملة رحمه الله
(1352 هـ 1933 - م1422هـ 2001م)
الحمدلله الذي خلق كل شيء فعدله وجعل الإنسان أشرفه والصلاة والسلام على نبي الرحمة سيدنا محمد هادي الأمة كاشف الغمة وعلى آله وصحبه وعلى كل من تبعهم إلى ساعة القيامة. أما بعد:
فقد قال الله تعالى:
يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ [البقرة/269] فمن الذين أعطاهم الله تعالى الحكمة والموعظة الحسنة شخصية بارزة في تاريخ الفقه والتصوف الإسلامي من الهند سوف أتحدث عنها في الصفحا ت المقبلة بشيئ من الإيجاز.
اسمه و نسبه:جلال الدين أحمد الأمجدي بن جان محمد بن عبدالرحيم بن غلام رسول بن ضياء الدين بن محمد سالك بن محمد صادق بن عبد القادر بن مراد علي. واسم أمه: رحمة النساء رحمها الله كانت من المؤمنات الصالحات الذاكرات توفيت سنة 1399هـ المطابقة 1979م.
قصة قبول إيمان جده الأعلى:كان جده "مراد علي" يسكن قرية تسمى بـ"برهر" من محافظة "فيض آباد" بجنب "آيودهيا" الذي كان فيه الجامع البابري الذي هدم بأيدي الكفار سنة 1992م. وكان الجد ينتمي إلى عائلة هندوسية معروفة تدعى "راجبوت" وكان اسمه قبل إسلامه "مراد سنكه". فأراد الله تعالى أن يهديه إلى الصراط المستقيم فألقى في قلبه وروعه الإسلام فتأثر به و بتعليماته وقوانينه حتى أسلم بتوفيق الله سبحانه تعالى على يد أحد من مسلميى الهند و سمي بـ"مراد علي". وقد شق على عائلته إيمانه فلم يألوا جهدا أن يعدلوه عن الإسلام ولم يدخروا وسعا أن يعيدوه إلى حضيض الكفر والضلالة, فهجر عائلته و الآراضي والأموال كلها ابتغاء وجه الله سبحانه تعالى و صيانة لإيمانه وسافر إلى "فيض آباد" و أقام في حي من أحيائه اسمه "شهزاد فور". و كان من أحفاده "ضياء الدين رحمه الله" يجول أنحاء المحافظة "بستي" وضواحيها للتجارة حتى لقي بعض المسلمين من القرية "أوجها غنج" فما زال معهم حتى أصبحت الصداقة فيما بينهم وثيقة قوية فاشترى - بعد استشارتهم – أرضا في "أوجها غنج" وانتقل إليها، و كان من أولاده جد فقيه الملة والدين "العابد الزاهد عبد الرحيم" ومن أولاده أبوه "المتقي الورع جان محمد" الذي توفي عام 1370هـ المطابق 1951م وكان فقيه الملة – آنذك – شابا حديث السن حيث كان ابن ثمانية عشر أو مايناهزها، تغمدهم الله تعالى جميعا بمغفرته و رحمته خاصة "مراد علي" فإننا ماولدنا في أحضان المسلمين إلا بإسلامه الذي وفقه ربنا جل وعلا إليه وأحسن توفيقا ولله الحمد.
لقبه: لقب بـ"فقيه الملة" ميلاده: ولد فقيه الملة رحمه الله تعالى بقرية "أوجها غنج" وهي قرية صغيرة من محافظة "بستي" وكان مولده سنة 1352 هـ الموافقة 1933 م. مذهبه: الحنفي. طريقته: القادرية. نشأته: أسرة فقيه الملة وإن لم يكن حظها من العلوم و الثقافات الدينية كبيرا ولكنها كانت أسرة متدينة صالحة، فتح فقيه الملة عينيه في هذا الجو الديني و نشأ و ترعرع في بيئة فكرية تنتمي إلى أهل السنة والجماعة و تعض منهج السلف بعيدة عن أوهام المبتدعين و أباطيلهم.
بداية دراسته ونبوغه فيها: بدأ دراسته - حين بلغ من عمره قرابة خمس سنوات - على يد تلميذ أبيه المولوي زكريا رحمه الله تعالى، في "أوجها غنج". و لما وصل إلى السابعة من سنه أخذ في حفظ القرآن عن ظهر القلب عند أستاذه السابق حتى أكمل حفظه على يده عام 1363هـ المطابق 1944م في مدة قصيرة وهي ثلاث سنوات ونصف،وكان عمره في ذلك الوقت عشر سنين أو مايزيد شيئا.ثم سافر إلى البلدة "إلتفات غنج" فتلقى هنالك على أيدي العلماء الدروس الإبتدائية منهم:"المولوي عبد الرؤف رحمه الله تعالى" ثم غادرها إلى "المدرسة الإسلامية شمس العلوم" بمدينة "ناغبور" مهاراشترا، والتي كان عميدها – حينذاك - العلامة الكبير والكاتب الشهير أرشد القادري - جعل الله تعالى الجنة مثواه - فالتحق فقيه الملة رحمه الله بهذه المدرسة و طفق يستسقي من منهل الشيخ و معينه الغزير و كان من دأبه أن يأتيه ليلا و يتلقى منه دروس الفقه والشريعة و يشتغل نهارا بالعمل ليقتات لنفسه و لوالديه و يوفر لهما حياة هانئة ماأمكن، و لم يزل بهذا حتى تخرج و حصل على شهادة الدراسات العليا سنة 1371هـ المطابقة 1952م.
في ساحة التدريس والإفتاء: بدأ التدريس مبكرا عام 1371هـ المطابق 1952م، في إحدى المدارس ثم انتقل إلى "دارالعلوم فيض الرسول" بقرية "براؤن شريف" بمحافظة "سدهارت نغر" من ولاية "أترابراديش" بدعوة مؤسسها شعيب الأولياء محمد يار علي رحمه الله، فمكث هناك احدى وأربعين سنة يشغل منصب التدريس والإفتاء، و كان أول ماأفتى سنة 1377هـ المطابقة 1957م و هو ابن أربع وعشرين سنة. ثم هجر تلك المدرسة سنة 1416هـ إلى قريته "أوجها غنج" وأسس فيها مدرسة سماها بـ"دار العلوم الأمجدية أهل السنة أرشد العلوم" وكان ميله إلى التجديد في الفكر الديني و المنهج التعليمي، و اختراع أساليب حديثة تساير العصر و متطلباته و من هذا المنطلق أقام في تلك المدرسة "شعبة تدريب الإفتاء" لتدريب العلماء على إنشاء الفتاوى، والتي لم يسبقه إلى قيامها أحد فى الهند أو باكستان كما قاله العلامة محمد عبد الحكيم شرف القادري الباكستاني رحمه الله تعالى، وقد تخرج من "دار العلوم" هذه عدد كبير من الطلاب بعد اكتسابهم الحذق والمهارة في صناعة الإفتاء وانتشروا أرجاء الهند و خارجها يعالجون قضايا الأمة و يحلون عقدها في ضوء القرآن الكريم والسنة النبوية.
و لا يفوتني أن اذكر أن  فقيه الملة رحمه الله كان من خريجي مدرسة  المجدد الإمام أحمد رضا البريلوي الهندي - رحمه الله – (ت1340هـ1921م) حيث عكف على مؤلفاته - التي يبلغ عددها زهاء ألف - يتتلمذ عليها و يتزود بها في حياته العلمية والفكرية، وكان طامعا في نشر أفكار الإمام و آرائه التي تتلائم و آراء السلف و منهج التصوف الأصيل و التي تستمد من نصوص القرآن و السنة وقد بذل في سبيل ذلك أقصى ما في وسعه و وفق فيه كل التوفيق.
زيارته بيت الله الحرام:
 زار فقيه الملة رحمه الله البيت العتيق عام 1396هـ المطابق 1976م بتوفيق من الله تعالى.
بعض أسماء تلاميذه البارزة: العلامة عبد القادر العلوي المدير الأعلى حاليا لدار العلوم فيض الرسول،الفاضل الشهير نور محمد القادري، العالم النبيل محمد عيسى الرضوي، المفتي قدرة الله القادري،المفتي نظام الدين أستاذ فيض الرسول وغيرهم.
مصنفاته الغالية: ما سوى التدريس و الإفتاء والخطب قد ألف فقيه الملة المؤلفات العديدة الهامة تبلغ أربعة وعشرين عددا أو أكثر في أوقات صعبة حول موضوعات مختلفة مقبولة عند عامة الناس و خواصهم في الهند وغيرها منها: (1) فتاوى فيض الرسول في مجلدين ضخمين (2) فتاوى فقيه الملة في مجلدين ضخمين أيضا (3) أنوار الحديث (4) خطبات شهر المحرم (5) أنوار الشريعة (6) الفتاوى البركاتية (7) الغاز الفقه (8) سيد الأولياء السيد أحمد كبير الرفاعي رحمه الله (9) الحج و الزيارة (10) عقائد السلف الصالح (11) تعظيم النبي صلى الله عليه وسلم (12) معارف القرآن (13) المسائل الضرورية وغيره من الكتب القيمة.
مشاركته في المؤتمر الفقهي: كان يشارك فقيه الملة فى عدة مؤتمرات وندوات علمية وثقافية منها "السيمينار الفقهي" الذى كان يعقد تحت رعاية أكبر جامعة إسلامية فى الهند "الجامعة الأشرفية" بمباركفور، ومازال ينعقد لحل المسائل الجديدة الصعبة التى تعرض  للأمة الإسلامية، وقد يشرف على تلك الندوات العلمية وقد يعين حكما فيها نظرا إلى تفقهه الأعلى في العلوم الإسلامية.
دخوله في الطريقة الصوفية وحصوله على الإجازة: بايع على يد صدر الشريعة العلامة الحكيم أبي العلاء محمد أمجد علي الأعظمي رحمه الله تعالى مؤلف "بهار شريعت" في الفقه الحنفي سنة 1378هـ المطابقة 1948م ودخل في الطريقة الرضوية (الطريقة القادرية). وحاز الإجازة من طريقتين، الأولى: من أحسن العلماء السيد مصطفى حيدر حسن البركاتي رحمه الله، والثانية: من العلامة مصطفى رضا النوري البريلوي رحمه الله المفتي الأعظم الأسبق بالهند.
حصوله على الجوائز القيمة: من خلال دراسته و مصنفاته و خطبه و تربية أسرته قدم فقيه الملة رحمه الله تعالى للأمة الإسلامية خدمة عظيمة لا تستخف و لاتنسى إنشاء الله تعالى. فبسبب هذه الخدمات كلها لما أراد أرباب "الجامعة الصمدية"  بالهند أن يقدروا خدمات العلماء من ناحية التعليم ودعوة الأمة إلى الحق و يقدموا لهم الجوائز الغالية اختاروا منهم أول مااختاروا فقيه الملة رحمه الله فمنحوه جائزة غالية تسمى بـ"قبله عالم إيوارد" و شهادة التقدير وخمسة آلاف روبية فى السادس والعشرين من رجب المرجب عام 1417هـ المطابق 1996م.
والجائزة الثانية التي قدمت إليه من جمعية"رضا أكادمي بومبائي" حيث لما رأى مؤسسها الحاج محمد سعيد النوري و أعضاءالجمعية أن فقيه الملة رحمه الله قد جاهد في خدمة الإسلام والمسلمين حق الجهاد وفاق أقرانه من نواحي كثيرة أعطوه جائزة عالية تسمى بـ"الإمام أحمد رضا إيوارد" وخمسة آلاف روبية في العاشر من شوال المكرم عام 1418هـ الموافق 1998م .
كما يراه العلماء الفحول:
قال له أستاذه العلامة أرشد القادري رحمه الله: إن الله تعالى جعلك مظهر الأسلاف............وأراك ذخرا لي - إنشاء الله - في الآخرة، وقال - رحمه الله تعالى - متواضعا: مااستطعت أنا أن أعمل عملا صالحا و لكنك بحسن عملك نلت رضا الله سبحانه تعالى، فأنا افتخر بك و أتباهى بجهدك الذي تقوى به أهل الإسلام و تشد أزرهم.
وقال شارح البخاري المفتي شريف الحق الأمجدي رحمه الله: إن أخي فقيه الملة العلامة المفتي جلال الدين أحمد منقطع النظير لا يناهزه أحد في العصر الحاضر في علمه وتقواه، وفي اتباعه شريعة الإسلام، وإلى جانب هذه الأوصاف الحميدة و الصفات العالية، يمتلك صفة قلما أجدها فى غيره وهي أنه يلتزم الصدق ويقول الحق على رؤس الأشهاد و لايخاف فى ذلك لومة لائم ولا يخشى أحدا في إحقاق الحق و إبطال الباطل و لايركن إلى المداهنة في المسائل الدينية قط.
وقال العلامة عبد المبين النعماني أنسأ الله في عمره: لا شك أن شخصية فقيه الملة رحمه الله عديمة النظير فقيدة المثيل، فاق علماء معاصريه بمقادر متعددة لا يجمعها الله تعالى في رجل واحد في حين واحد إلا نادرا فإنه عالم متفوق، ومحقق متيقظ، ومفت متنبه، ومدرس كبير، ومصنف متميز، وخطيب بارع في زمن واحد. وغير ذلك من أقوال العلماء كثيرة لاتسمحني هذه العجالة باستيفائها هنا.
وفاته رحمه الله تعالى: وساعة إذ كان يشرح لبعض العلماء - منهم ابنه الوسط المفتي أبرار أحمد البركاتي و زوج ابنته الوسطى المفتي أختر حسين القادري – المنهج القويم للدعوة وإصلاح الأمة ليلة الجمعة 3/جمادي الأخرى سنة 1422هـ المطابقة 23/أغسطس 2001م وافته منيته في الساعة الثانية عشروخمس وخمسين دقيقة .إنا لله وإنا إليه راجعون.
خلف من بعده: زوجته الصالحة "حسيب النساء" - نسأ الله في أجلها – كانت تساعده في أمور حياته كلها ليل نهار - جزاها الله تعالى أحسن الجزاء في الدنيا و الآخرة - و أربعة أبناء وثلاث بنات، وجميع أبنائه قد اقتفوا أثر أبيهم وشقوا طريقا إلى العلوم والثقافات الإسلامية واحتلوامكانة سامية بين علماء الهند، و أسمائهم: المفتي إعجاز أحمد النوري أستاذ الدراسات العليا بأحسن المدارس، والعالم الجليل أنوار أحمد القادري المدير الأعلى لدار العلوم الأمجدية التي أسسها أبوه فقيه الملة رحمه الله، و المفتي أبرار أحمد البركاتي مفتي دارالعلوم هذه،  و كاتب السطور أزهار أحمد الأمجدي الأزهري، خريج كلية أصول الدين، قسم الحديث، جامعة الأزهر الشريف، مصر. و أسماء بناته:حميراء بانو الأمجدية وهي تحت العالم النبيل رياض أحمد البركاتي أستاذ الدراسات العليا بالجامعة الحنفية، و حسيناء بانو الأمجدية و هي تحت المفتي أختر حسين العليمي أستاذ الدراسات العليا بدار العلوم العليمية، و زليخا بانو الأمجدية وهي تحت المفتي زبير أحمد القادري أستاذ الدراسات العليا بمدرسة غريب نواز، حفظهم الله تعالى جميعا ورعاهم حق رعايته. آمين يا رب العالمين.
تغمد الله تعالى أبي فقيه الملة برحمته وكرمه وفضله - آمين - فقد خلف لنا بعد مماته علماء والعلماء ورثة الأنبياء، وترك العلم والعلم أفضل خلف والعمل به أكمل شرف وقد كان عاملا بما علم، وأحسبه كما ذكرت عنه والله حسيبه و لا أزكي على الله أحدا. و لله الحمد على كل ذلك ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

المراجع والمصادر
(1)"السيرة الذاتية" بقلم فقيه الملة رحمه الله الملحقة في كتابه المسمى  بـ"أنوار الحديث" المطبع: کتب خانه أمجدیه، ومکتبة فقیه الملة، دلهی 6.
(2)"السيرة الذاتية" بقلم فقيه الملة رحمه الله الملحقة في كتابه المسمى  بـ"خطبات محرم" المطبع: کتب خانه أمجدیه، ومکتبة فقیه الملة، دلهی 6.
(3)"ترجمة فقيه الملة رحمه الله" بقلم ابنه الفاضل أنوار أحمد القادري الملحقة بـ"الفتاوى البركاتية" لفقيه الملة أيضا، المطبع: کتب خانه امجدیه، ومکتبة فقیه الملة، دلهی 6.
)4)"أنوار فقيه الملة" للمفتي أختر حسين العليمي، المطبع: کتب خانه امجدیه، دلهی 6.


              أبوعاتکة أزهار أحمد الأمجدي المصباحي غفرله             
خریج كلية أصول الدين، قسم الحديث، جامعة الأزهر الشريف، مصر۔
خادم الإفتاء بمرکز تربیة الإفتاء، أوجھاگنج، بستی، یوپی، الھند۔
إی میل: fmfoundation92@gmail.com
رقم المحمول: 00918318177138

No comments:

Post a Comment